سورة التحريم - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التحريم)


        


{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1)}
{ياأيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ} في سبب نزولها روايتان؛ أحدهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يوماً إلى بيت زوجه حفصة بنت عمر بن الخطاب، فوجدها قد خرجت لزيارة أبيها، فبعث إلى جاريته مارية فجامعها في البيت، فجاءت حفصة فقالت: يا رسول الله ما كان في نسائك أهون عليك مني. أتفعل هذا في بيتي وعلى فراشي؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم مترضياً لها: أيرضيك أن أحرمها، قالت: نعم، فقال: إني قد حرّمتها».
والرواية الأخرى: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل على زوجه زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلاً؛ فاتفقت عائشة وحفصة وسودة بنت زمعة على أن تقول من دنا منها: أكلت مغافير، والمغافير صمغ العرفط، وهو حلو كريه الريح، ففعلن ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ولكني شربت عسلاً، فقلن له: جرست نحله العرفط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أشربه أبداً. وكان يكره أن توجد منه رائحة كريهة، فدخل بعد ذلك على زينب فقالت: ألا أسقيك من ذلك فقال: لا حاجة لي به، فنزلت الآية عتاباً له على أن يضيق على نفسه بتحريم الجارية أو تحريم العسل»، والرواية الأولى أشهر، وعليها تكلم الناس في فقه السورة، وقد خرج الرواية الثانية البخاري وغيره.
ولنتكلم على فقه التحريم، فأما تحريم الطعام والمال وسائر الأشياء ما عدا النساء، فلا يلزم، ولا شيء عليه عند مالك، وأوجب عليه أبو حنيفة الكفارة، وأما تحريم الأمة فإن نوى به العتق لزم، وإن لم ينوِ به ذلك لم يلزم. وكان حكمه ما ذكرنا في الطعام. أما تحريم الزوجة فاختلف الناس فيه على أقوال كثيرة: فقال أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وابن عباس وعائشة وغيرهم: إنما يلزم فيه كفارة يمين. وقال مالك في المشهور عنه: ثلاثة تطليقات في المدخول بها وينوي في غير المدخول بها فيحكم بما نوى من طلقة أو اثنتين أو ثلاث، وقال ابن الماجشون، هي ثلاث في الوجهين، وروي عن مالك أنها طلقة بائنة، وقيل طلقة رجعية.
{تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} أي تطلب رضا أزواجك بتحريم ما أحل الله لك، يعني تحريمه للجارية ابتغاء رضا حفصة، وهذا يدل على أنها نزلت في تحريم الجارية، وأما تحريم العسل فلم يقصد فيه رضا أزواجه وإنما تركه لرائحته {والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} في هذا إشارة إلى أن الله غفر له ما عاتبه عليه من التحريم، على أن عتابه في ذلك إنما كان كرامة له، وإنما وقع العتاب على تضييقه عليه السلام على نفسه، وامتناعه مما كن له فيه أرب، وبئس ما قال الزمخشري في أن هذا كان منه زلة، لأنه حرّم ما أحل الله، وذلك قلة أدب على منصب النبوة.


{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2)}
{قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} التحلة هي الكفارة وأحال تعالى هنا على ما ذكر في سورة [المائدة: 89] من صفتها، واختلف في المراد بها هنا فأما على قول من قال: إن الآية نزلت في تحريم الجارية فاختلف في ذلك. فمن قال إن التحريم يلزم فيه كفارة يمين استدل بها، ومن قال: إن التحريم يلزم فيه طلاق قال: إن الكفارة هنا إنما هي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلف وقال: والله لا أطؤها أبداً. وأما على القول بأن الآية نزلت في تحريم العسل فاختلف أيضاً؛ فمن أوجب في تحريم الطعام كفارة قال: هذه الكفارة للتحريم ومن قال: لا كفارة فيه: قال: إنما هي الكفارة لأنه حلف ألا يشربه، وقيل: هي في يمينه عليه السلام أن لا يدخل على نسائه شهراً {والله مَوْلاَكُمْ} يحتمل أن يكون المولى بمعنى الناصر أو بمعنى السيد الأعظم.


{وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)}
{وَإِذْ أَسَرَّ النبي إلى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً} اختلف في هذا الحديث على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه تحريم الجارية، فإنه لم حرمها قال لحفصة: لا تخبري بذلك أحداً، والآخر أنه قال: إن أبا بكر وعمر يليان الأمر من بعده، والثالث: أنه قوله شربت عسلاً، والأول أشهر، وبعض أزواجه حفصة {فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ الله عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ} كانت حفصة قد أخبرت عائشة بما أسر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم من تحريم الجارية، فأخبر الله رسوله عليه السلام بذلك، فعاقب حفصة عن إفشائها لسره فطلقها، ثم أمره الله بمراجعتها فراجعها. وقيل: لم يطلقها. فقوله فلما نبأت به حذف المفعول وهو عائشة. وقوله: {وَأَظْهَرَهُ الله عَلَيْهِ} أي أطلعه على إخبارها به، وقوله: {عَرَّفَ بَعْضَهُ} أي عاتب حفصة على بعضه وأعرض عن بعض حياء وتكريماً، فإن من عادة الفضلاء التغافل عن الزلات والتقصير في العتاب، وقرئ عَرَف بالتخفيف من المعرفة {فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هذا} أي لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حفصة بأنها قد أفشت سره، ظنت بأن عائشة هي التي أخبرته فقالت له: من أنبأك هذا؟ فلما أخبرها أن الله هو الذي أنبأه سكتت وسلمت.

1 | 2 | 3 | 4